اكتسب الهاتف الذكي مؤخراً سمعة سيئة بعدما كان موضع إشادة وترحيب بوصفه أداة للتقدم والازدهار. فقد تم الكشف منذ أيام عن أن الطلاب الجدد في كلية إيتون الذين يبدأون العام الدراسي في سبتمبر، سيُمنعون من إحضار أجهزتهم معهم. وبدلاً من ذلك، سيحصل كل منهم على هاتف «نوكيا» بسيط يفتقر إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ويسمح فقط بإجراء المكالمات وإرسال الرسائل النصية.
قد يُحمل المراهقون المحرومون من هواتفهم عالم النفس جوناثان هايدت المسؤولية، فهو الذي يواصل الترويج لفكرة أنه لا بد من لوم الهواتف الذكية على ارتفاع معدل المشكلات النفسية بين الشباب. وأفاد معلمون أن ما يقرب من ثلثي المدارس الثانوية الآن لديها لوائح تمنع الطلاب من استخدام هواتفهم خلال اليوم الدراسي.
فهل هناك خطب ما في قيام الشخص بمجرد أن يصبح بالغاً عاقلاً، بقضاء بعض الوقت في مشاهدة مقاطع فيديو لكلاب جولدن ريتريفر اللطيفة على وسائل التواصل الاجتماعي؟ أو إخراج الهاتف أثناء الانتظار في صف داخل السوبرماركت للتحقق من اسم أي من قادة العالم أخطأ الرئيس جو بايدن في نطقه هذه المرة؟ أو السماح لخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي بأن تقودك إلى داخل مطبخ وحياة سيدة من ليدز تود استعراض ما تعده لزوجها على العشاء عندما يراوغك النوم في الثانية صباحاً؟
ربما نحتاج إلى معنى وهدف وثراء نفسي في حياتنا، لكن من المؤكد أننا في الوقت نفسه بحاجة إلى جرعة من المتعة، ألا نستحق لذلك الهروب من المشكلات اليومية القاسية والأخبار الكئيبة والقاتمة؟
إن الاسترخاء ضروري لعدة أسباب، فهو يحافظ على صحة قلوبنا وأجسادنا وعقولنا، ويخفف من الاكتئاب والقلق والأمراض النفسية الأخرى. وإذا كنت لا تزال متردداً بشأن الحجز لعطلة، فإليك دراسة مطولة نشرتها الجمعية الأوروبية لطب القلب في عام 2018، شملت أكثر من 600 مدير تنفيذي من الذكور، وقد وجدت أن الذين حصلوا على إجازة سنوية لمدة 3 أسابيع فقط أو أقل كانوا أكثر عرضة بنسبة 37 % للوفاة على مدى الـ 30 عاماً من منتصف العمر إلى الشيخوخة مقارنة بأولئك الذين حصلوا على إجازة أكثر من 3 أسابيع.
والخطأ الذي نرتكبه هو الاعتقاد بأن التصفح العشوائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يشعرك وكأنك «تأخذ استراحة»، يعني أننا نسترخي بشكل صحيح عندما ننغمس فيه. لكن ثمة فرقاً نوعياً بين القيام بأنشطة مثل التواجد مع أحبائنا، أو الاستمتاع بالطبيعة أو قراءة كتاب جيد، وبين هذا الخدر العاطفي، لذلك، يجب عدم الخلط بينهما.
ووسائل التواصل الاجتماعي ليست الطريقة الوحيدة التي نستخدمها لتخدير مشاعرنا السلبية ومحاولة الهروب من الشعور بالضيق. فثمة العديد من المفاسد الأخرى، وأبرزها تعاطي المخدرات، والقمار، التي تعد أكثر ضرراً بكثير من قضاء وقت طويل على هاتفك الذكي. ومع ذلك، على الرغم من أننا ندرك أن هذه الأنشطة ضارة لنا، إلا أننا نظن أننا نمنح أنفسنا فترة راحة عندما نستلقي على الأريكة ونتصفح الإنترنت.
وقد وجدت دراسة تم نشرها بمجلة «بلوس ون» في أبريل، أن قضاء 20 دقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مقاطع فيديو على «يوتيوب» لم ينتج عنه أي استجابة سلبية للضغط النفسي فحسب، بل صاحبه انخفاض في معدل ضربات القلب والكورتيزول.
إلا أن منصات التواصل الاجتماعي تختلف في تأثيرها. فقد وجد استطلاع حديث أجرته شركة «فيريلي»، وهي شركة متخصصة في إدارة السمعة الرقمية، أن منصة إكس المملوكة لإيلون ماسك برزت – كما هو متوقع – بصفتها أكبر منصة أشعلت الغضب بين المستخدمين: «فقد أفاد أكثر من ربع الذين شملهم الاستطلاع أنهم يشعرون بالغضب أثناء استخدامهم للمنصة، بينما برز موقع «لينكد إن» بصفته المنصة الأكبر المسببة للتوتر، وهو أمر يمكن تفهمه في ضوء استخدامه أساساً في السياقات المهنية.
وبالنسبة لإنستغرام، فقد قال ما يقرب من 60 % ممن شملهم الاستطلاع أنهم شعروا بالسعادة أثناء استخدامهم للمنصة. فما الإشكال في ذلك؟ حسناً، كبداية، تقول الطبيبة النفسية آنا ليمبكي في كتابها «أمة الدوبامين» إنه من خلال البحث المستمر عن المتعة والتحفيز عبر هواتفنا الذكية -الذي تشبهه بـ«الإبرة تحت الجلد الشائعة حالياً»، فإننا نصبح مدمنين على هذا النوع من التحفيز، ونجد صعوبة في العثور على السعادة عبر أنشطة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، من خلال عدم ترك هواتفنا وعدم منح أنفسنا استراحة من التحفيز المستمر، فإننا نعوق قدراتنا على الدخول في حالة ذهنية هادئة تسمح بشرود العقل والإبداع والتفكير العميق.
وكما نعلم جميعاً، فإنه عندما لا تدفع مقابل خدمة ما تكون أنت السلعة، ويعمل التجار في سوق جذب الانتباه على تحسين الأساليب للاستيلاء على مساحاتنا العقلية. لذلك، يتعين علينا أن نتعلم كيف نصبح أكثر إبداعاً وتصميماً على الأساليب التي نفضلها للشعور بالاسترخاء، وربما حتى نركن إلى الضجر على الطريقة القديمة الناجعة.